تعويضات المناخ.. التزام الدنمارك يكشف تهرب الدول الكبرى من مسؤوليتها الأخلاقية

تعويضات المناخ.. التزام الدنمارك يكشف تهرب الدول الكبرى من مسؤوليتها الأخلاقية
الدنمارك

خبير بيئي لـ"جسور بوست": الخسائر والأضرار الناتجة عن الآثار السلبية للتغير المناخي في الدول النامية تحتاج لأموال ضخمة

 

في سابقة تعد الأولى من نوعها، أعلنت الدنمارك اعتزامها تقديم 100 مليون كرونة (ما يعادل 13 مليون دولار أمريكي) إلى الدول النامية المتضرّرة من ظاهرة التغير المناخي.

وبهذه الخطوة، تعد الدنمارك أول دولة في العالم تقدم تعويضات عن الخسائر والأضرار التي تتكبدها الدول النامية والمناطق الأكثر عرضة لتداعيات التغير المناخي.

والخميس، دعت الأمم المتحدة البلدان المتقدمة إلى أن تفي بالتزاماتها بشأن تغير المناخ بما في ذلك تمويل التكيف، لا سيما مع اقتراب المؤتمر السابع والعشرين للأطراف "كوب 27"، المقرر عقده بشرم الشيخ في مصر.

وأقر اتفاق باريس بشأن تغير المناخ بموجب مبدأ المسؤوليات المشتركة، بأن تفي البلدان المتقدمة بالتعهد المالي لـ"تقديم 100 مليار دولار سنويا للدول النامية"، فضلا عن إنشاء آلية تمويل الخسائر والأضرار.

لكن الدول الصناعية الكبرى -المنتجة لمعظم الانبعاثات الكربونية المسببة للاحتباس الحراري- لم تقدم تعويضات للدول النامية والتي تعد الأعلى تضررا من ظاهرة التغير المناخي في العالم. 

ويعتبر مراقبون أن الدول المتقدمة باتت أكثر جورا في مواجهة تداعيات التغير المناخي، حيث تتهرب من مسؤولياتها مقابل مطالبة الدول النامية باتخاذ إجراءات قاسية لمواجهة هذه الأزمة. 

وتعاني العديد من دول العالم، لا سيما النامية، من تصاعد تداعيات أزمة التغير المناخي، كالسيول والجفاف والحرائق وارتفاع درجات الحرارة وغيرها، ما أدى إلى تدمير البنى التحتية ونزوح ملايين السكان.

ومؤخرا دعت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، إلى توفير المزيد من التمويل لمساعدة البلدان في إفريقيا على التكيف ومواجهة تداعيات التغير المناخي.

وقالت المنظمة العالمية في بيان، إن دول القارة السمراء تعاني من حدة التغير، وارتفاع درجات الحرارة، ومنسوب مياه البحر، وظروف الجفاف في بعض الدول، والفيضانات في بعض الدول الأخرى.

ومنذ القرن التاسع عشر، أصبحت الأنشطة البشرية المسبب الرئيسي لتغير المناخ، ويرجع ذلك أساسًا إلى حرق الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز.

وينتج عن حرق الوقود الأحفوري انبعاثات غازات الدفيئة التي تعمل مثل غطاء يلتف حول الكرة الأرضية، ما يؤدي إلى احتباس حرارة الشمس ورفع درجات الحرارة.

العدالة المناخية

ورغم الاحتفاء بقرار الدنمارك في تقديم تعويض للدول النامية، عملا بمقولة "أول الغيث قطرة"، قلل الدكتور ماهر عزيز الخبير البيئي الدولي وعضو مجلس الطاقة العالمي، من تأثير هذا القرار على تحقيق العدالة المناخية الغائبة.

وأوضح عزيز في تصريح لـ"جسور بوست"، أن منحة الدنمارك لن تمثل إضافة لصالح الدول النامية، لا سيما وأنها لم تتجاوز 14 مليون يورو، وهو رقم هزيل بالنسبة لحجم الأضرار التي تتعرض لها الدول النامية جراء توحش ظاهرة التغير المناخي.

وأضاف: "في الغالب ستذهب هذه المنحة للجهود الاستراتيجية للمؤسسات العاملة في مجالات التكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ، وكذلك للجمعيات الأهلية العاملة في المجال لدعم أعمالها في مكافحة ما يسمى  بـ"Loss and Damage" أو "الفقد والتدمير".

وتابع: "الخسائر والأضرار  الناتجة عن الآثار السلبية السيئة للتغير المناخي في الدول النامية تحتاج أضعاف هذه المنحة"، مستشهدا  بالفيضان الأخير الذي عصف بدولة بنغلاديش، والذي أدى إلى تدمير المحاصيل الزراعية وهدم المنازل ومصرع العشرات.

ومضى عزيز قائلا: "لقد تعودت الدول الأوربية علي منح مثل هذه الهبات من وقت لآخر لمثل هذه الأنشطة وهذه الجهات بعينها، ولذلك فإن اعتبارها سابقة في تقديم تعويض للمتضررين هو قول دعائي غير سليم".

واستطرد: "المتوقع حقا من الدول الأوربية أن تخصص منحا ضخمة مباشرة لحكومات الدول، لكي تعالج الفقد والتدمير مباشرة دون وسطاء كالجمعيات الأهلية ومنظمات التخطيط الاستراتيجي وغيرها".

وأوضح الخبير البيئي الدولي أن "الدعم المطلوب للدولة النامية لمواجهة ظاهرة التغير المناخي، لم يصل حتى الآن لأكثر من 6 بالمئة من الدعم الذي تعهدت به الدول الكبري في مؤتمرات قمم المناخ السابقة".

واختتم ماهر عزيز حديثه بعبارة: "هذا هو مجال التمويل الحقيقي المطلوب لتنفيذ إجراءات الحماية والتكيف التي تحتاجها الدول النامية، لكن للأسف لا توجد وسيلة لإلزام الدول الكبرى بدفع تعويضات للدول النامية، فالأمر لا يتجاوز حدود الالتزام الأخلاقي فحسب".

تنامي الضغوط

ومؤخرا تنامت الضغوط على البلدان المتقدمة التي بنت ثرواتها بفضل مصادر الطاقة الأحفورية، عقب الفيضانات التاريخية في باكستان، لتعويض الدول الفقيرة عن التبعات المدمرة التي تتعرض لها جراء الاحترار المناخي.

وفي السياق ذاته، طالب ناشطون في قضايا المناخ بشطب ديون البلدان المتعثرة مالياً التي تنفق جزءاً كبيراً من ميزانيتها على دفع الفوائد، بدل الاستثمار في تدابير تساعدها في الاستعداد للكوارث الناجمة عن التغير المناخي.

واستبق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، قمة "كوب 27" المناخية، والمنعقد في نوفمبر المقبل بمصر، بالمطالبة بإجراء حديث جاد واتخاذ خطوات هامة بشأن الخسائر والأضرار.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية